تطوّقنا المعلومات اليوم من كلّ جانب. فلأيّ فكرة تخطر في ذهنك، تجد سيلًا جارفًا من المقالات والنقاشات والمقاطع المصوّرة التي تتناولها. غير أنّك حين تبحث عن الرأي الراجح والمعلومة الدقيقة المستندة إلى مصادر موثوقة، تكتشف أنّ كثير مما يُنشر لا يُسمن ولا يُغني من جوع، وأن الحصول على محتوى محايد وموثوق في فضاء الشبكة العنكبوتية صار أقرب إلى البحث عن إبرة في كومة من القشّ. فكيف وصلنا إلى هذا الحال المزعج؟ وكيف نستطيع التعامل معه كمستخدمين؟ وما الدور الذي يقع على عاتق الكتّاب وصنّاع المحتوى ومطوّري المواقع في مواجهته؟
تطور الشبكة العنكبوتية
للإجابة عن هذه التساؤلات، نحتاج أولًا إلى تتبّع مراحل تطوّر الشبكة العنكبوتية العالمية، التي أتاح اختراعها عام 1989 كتابة المستندات المترابطة ومشاركتها مع الآخرين، وقد شكّلت هذه المستندات (أيّ المواقع الإلكترونية) التي أعدّها مختصون وأساتذة وباحثون وأفراد شغوفون بالمعرفة ومشاركتها، الجيل الأول من الشبكة.
في تلك المرحلة، لم يكن كسب المال الدافع الأساسي وراء تطوير المواقع (الشخصيّة على الأقل)، بل كانت الغالبية تستغل الشبكة للتعبير عن ذاتها، ومشاركة خبراتها، وتقديم المعلومة لمن يحتاجها مجانًا. ولهذا كان تصفّح الشبكة جميلًا وممتعًا في ذلك الزمن، غير أنّ التنقل بين صفحاتها لم يكن سهلًا، فمثلما كان الناس يحتفظون بأرقام هواتف من يرغبون في التواصل معهم وعناوين الأماكن التي يريدون زيارتها، كان عليهم أيضًا الوصول، بطريقة أو بأخرى، إلى روابط المواقع الإلكترونية التي يحتاجونها والاحتفاظ بها للزيارات المستقبلية.
استمرّ هذا الوضع حتى عام 2000 تقريبًا، وهو العام الذي غيّر فيه محرك البحث "غوغل" وجه الشبكة العنكبوتية.
محركات البحث
لتدرك الفرق الذي أحدثته محركات البحث، تخيّل أنك تعيش قبل مطلع الألفية، وتريد البحث عن وصفة لتحضير فطيرة التفاح. في ذلك الزمن، كنت ستحتاج إلى جمع عناوين أكبر عدد ممكن من مواقع الطهاة التي تصادفها هنا وهناك. ثم حين تشتهي فطيرة التفاح، سيتعين عليك زيارة هذه المواقع واحدًا تلو الآخر، على أمل أن يكون أحدها قد نشر الوصفة التي تبحث عنها في صفحاته.
ثم جاءت محركات البحث لتختصر كل هذا العناء، وتمنح المستخدم في ثوان قائمة بكل المواقع التي تحتوي على وصفة لفطيرة التفاح. وبفضل هذه القدرة على إرشاد المستخدم إلى ما يبحث عنه، رسّخت محركات البحث، وعلى رأسها "غوغل"، مكانتها كمصدر رئيس للمعلومات، ولم تعد هناك حاجة للاحتفاظ بروابط المواقع الإلكترونية وتصنيفها والتنقل بينها بحثًا عن معلومة ما، إذ أصبح محرك البحث يؤدي هذه المهمة نيابةً عن المستخدمين الذين اتضح أنهم أكسل من تنابلة السلطان!
إذ تبين، بعد رواج محركات البحث، أن الغالبية الساحقة من زيارات المستخدمين هي من نصيب المواقع التي تظهر في الصفحة الأولى من نتائج البحث، فيما لا تصل المواقع التي تظهر في الصفحات التالية زيارات تُذكر. دفع هذا السلوك أصحاب المواقع إلى تنافس شرس على المراتب الأولى لنتائج البحث، الأمر الذي تطلّب فهم طريقة عمل هذه المحركات والتأثير فيها عبر برمجة المواقع بطريقة تزيد من فرص ظهورها في أعلى قائمة النتائج.
هكذا وُلد ما يُعرف اليوم بـ"تحسين الظهور على محركات البحث" أو "تحسين نتائج محركات البحث" أو"تحسين محركات البحث"، وهي اليوم صناعة ضخمة تُقدَّر قيمتها بمليارات الدولارات.
تحسين محركات البحث
ولفهم آلية "تحسين نتائج محركات البحث"، تخيّل أنّك تملك موقعًا إلكترونيًا لبيع التفاح، وتريد أن تصل إلى المهتمين بشراء هذه السلعة من خلال محركات البحث. لتتمكن من ذلك، لا مفرّ من أن يظهر موقعك في نتائج الصفحة الأولى عند البحث باستخدام كلمات مفتاحية مثل "تفاح" و"أماكن بيع التفاح" و"أفضل أماكن شراء التفاح في مجرة درب التبانة". فكما أسلفنا، أثبتت التجربة أن عدد من سينتقل للصفحة الثانية من نتائج محركات البحث لا يكاد يذكر.
ومن أفضل الطرق لاحتلال أعلى المراتب في نتائج البحث، أن توظّف من هم على شاكلتي لكتابة مقالات عن التفاح ونشرها على موقعك الإلكتروني. فمثل هذا المحتوى يجعلك تبدو خبيرًا في التفاح، وربّما يستدلّ الآخرون بأقوالك عنه، فيشيرون إلى موقعك في صفحاتهم الخاصة. وكلّما كان موقعك محدثًا بالمعلومات، وكثرت الإشارات إليه من الآخرين، ارتفع موقعه في نتائج البحث.
وهنا تبرز أهمية المدونة في موقعك الإلكتروني، لا لتعبّر من خلالها عن حبّك للتفاح ولتشارك الآخرين فوائده والأطباق التي يدخل في مكوناتها فحسب، بل لتثبت للناس، وقبلهم محركات البحث، أنّك خبير في مجالك ومصدر متجدّد للمعلومات المتعلقة به.
الاعلانات
بعد هذا المنعطف الرئيسي في تاريخ الشبكة العنكبوتية، ظهرت الإعلانات. وبفضلها، لم تعد تكسب المال فقط عندما يشتري زوار موقعك التفاح من خلاله، بل حتى لمجرد دخولهم الموقع وتصفّح محتواه ومشاهدة الإعلانات التي وضعتها فيه.
في الوهلة الأولى، يبدو كل هذا التطور في صالح المستخدم، الباحث عن المعلومة ومقدمها على حدّ سواء. لكن مردود الإعلانات، والتنافس على جعل المواقع، التي تحوّلت إلى لوحات إعلانية أو قنوات للبيع، تظهر في الصفحة الأولى من نتائج محركات البحث، حفّز البعض على تطوير المواقع كيفما اتفق، وحشوها بمحتوى فارغ لكنه مُحسّن ليظهر في الصفحة الأولى من نتائج البحث ويجذب أكبر عدد ممكن من الزوار.
من الصفحات المدفوعة بالشغف إلى مزارع التفاعل
فظهر ما يُعرف بـ"مزارع التفاعل"، وهي مواقع إلكترونية تتضمن محتوى لا يهدف إلا إلى تحسين الظهور في نتائج محركات البحث، وحصد أكبر عدد ممكن من الزيارات بغرض زيادة عوائد الإعلانات، أو الترويج الفج لمنتج ما للزوار الذين لجأوا لمحرك البحث طلبًا لمعلومة موثوقة، لينتهي بهم المطاف في موقع عديم الفائدة.
ومع مرور الوقت، طغت مزارع التفاعل الفاقدة للقيمة، التي تهدف لكسب المال دون اعتبار لأي شيء آخر، على المواقع التي بُنيت بدافع الشغف وتقديم المعلومة لمن يحتاجها، أو التي تراعي المهنية والمصداقية على الأقل، وإن كان هدفها الربح في المقام الأول. وفي نهاية المطاف، تصدرت مزارع التفاعل المشهد، واختفت المواقع الرصينة من نتائج محركات البحث، التي أصبحت بلا طائل. إذ لم تعد في كثير من الأحيان تقود إلى علم ينفع، ولا تجيب على سؤال، ولا تدل على المنتج الأفضل، ولا على أيّ شيء آخر سوى الهراء المحسّن للظهور في أعلى نتائج البحث.
وبذلك عدنا، على الرغم من كل هذا التطور، إلى المربع الأول، حيث يصعب عليك العثور على ما تحتاجه في الشبكة العنكبوتية. مع فارق أنها الآن ممتلئة بالفوضى لإسهامات الكثير من الشغوفين الذين خاب أملهم، بعد أن صارت صناعة المحتوى التافه أو المظلل أكثر جدوى من استثمار الوقت والجهد في إنتاج المحتوى الرصين وتقديم المعلومة المفيدة.
الجيل الثاني من الشبكة
ومع رواج مواقع التواصل الاجتماعي بعد عام 2004، دخلت الشبكة حقبة جديدة أُطلق عليها "ويب 2.0"، تراجعت فيها المواقع التقليدية الثابتة، التي كان تطويرها يتطلّب معرفة ولو بسيطة بالبرمجة، أمام صعود المنصّات التفاعلية، التي أتاحت لأيّ شخص تقديم المحتوى ونشر تجاربه وآرائه الخاصة على الشبكة دون الحاجة لتعلّم البرمجة أو الاستثمار في استضافة واسم نطاق وما شابه.
كانت الفكرة ثورية: أن يمتلك كل فرد دون استثناء صوته المسموع ومنصته الخاصة للتعبير عن آرائه. وبدا حينها أن بالإمكان الاستعاضة عن محركات البحث التقليدية، التي أعطبتها مزارع التفاعل، والإعلانات، والمحتوى المؤسساتي المصقول، بالبحث داخل هذه المنصّات التي تحتضن التجارب الحقيقية والنصائح الصادقة والنقاشات البنّاء بين عامة الناس.
لكن، الغثّ اختلط بالسمين مجددًا، بعدما دفعت فوائد الشهرة وعوائد الرعاية والإعلانات وبرامج مشاركة الأرباح صنّاع المحتوى إلى إنتاج المواد التي تفضّلها الخوارزميات وينساق خلفها القطيع.
ومع اشتداد التنافس على جذب أكبر عدد من المشاهدات والنقرات والتفاعلات، تكاثرت العناوين الكاذبة المثيرة، والمحتوى المثير للجدل، والمعلومات المضلّلة، والدراما المصطنعة، وكلّ ذلك لسبب واحد، هو الحصول على التفاعل بأيّ ثمن.
وفي المحصّلة، أصبح من الصعب التمييز بين الرأي الصادق والترويج الكاذب والمعلومة الخاطئة. وبالتالي، لم يعد بالإمكان الوثوق فيما يُنشر على منصّات التواصل الاجتماعي. وهكذا، بدلًا من أن يحلّ الجيل الثاني من الشبكة مشكلة فوضى المعلومات، سكب الزيت على النار.
الذكاء الاصطناعي
واليوم، يلجأ كثير من المستخدمين إلى أدوات الذكاء الاصطناعي، ولا سيّما "النماذج اللغوية الكبيرة" لتوجيه أسئلتهم والحصول على المعلومات، بدلًا من تصفّح نتائج محركات البحث أو التنقيب في منصّات التواصل الاجتماعي. فهذه الأدوات قادرة على تقديم إجابات سريعة وتلخيص المعلومات من مصادر متعدّدة، الأمر الذي يعزز حضورها المتزايد في حياتنا يومًا بعد يوم، بوتيرة تجعلها تبدو وكأنها العنوان العريض لمستقبل البشرية.
ومع ذلك، فإن هذه الأدوات ليست بعد مصدرًا موثوقًا للمعلومة، بسبب ما تواجهه من تحدّيات أبرزها:
الهلوسة: إذ تقدّم هذه النماذج أحيانًا معلومات خاطئة أو مختلقة من مصادر غير موجودة أصلًا، وتعرضها على المستخدم بثقة شديدة وأسلوب مقنع.
التحيّز: لأن هذه النماذج تُدرّب على بيانات قد يكون بعضها متحيّزًا أو مضلّلًا، فإن مخرجاتها قد تعيد إنتاج هذا التحيّز.
صعوبة التحقّق: إذ يصعب على المستخدم التأكّد من مصدر المعلومة ومصداقيتها أو تحديد المنطق الذي اعتمدت عليه الأداة في الإجابة أو النصيحة التي قدّمتها.
والأسوأ من ذلك أن الذكاء الاصطناعي نفسه أصبح عاملًا جديدًا في تفاقم المشكلة، فبفضل قدرته المذهلة على توليد النصوص وغيرها بسرعة وسلاسة، بات بإمكان أيّ شخص إنتاج كمّ هائل من المحتوى بضغطة زرّ واحدة ونشره في المواقع الإلكترونية ومنصّات التواصل الاجتماعي بصورة شبه آلية، إن لم تكن آلية بالكامل. ووفق هذا، يُتوقّع أن يغرقنا الذكاء الاصطناعي بدوره في وحل المحتوى الخاوي أكثر فأكثر.
كيف نتعامل مع فوضى المعلومات؟
إلى هنا نكون قد تعرّفنا على المحطّات الرئيسة في تاريخ الشبكة العنكبوتية، وعلى الأسباب التي جعلت الحصول على المعلومة منها أكثر صعوبة وتعقيدًا، رغم تطوّر تقنيّاتها واتساع قاعدة مستخدميها. كما استشرفنا ملامح المستقبل في ظلّ النماذج اللغوية الكبيرة القادرة على كتابة مقال كامل في بضع ثوانٍ.
لكن يبقى السؤال: كيف يمكننا التعامل مع هذا الواقع، والاستفادة من الشبكة العنكبوتية رغم كلّ هذه العقبات؟
العودة لأسلوب الانتقاء الواعي واستخدام قوائم المفضلات
ربّما لا مفرّ أمامنا من اتخاذ خطوة للوراء، والعودة إلى الطريقة التقليدية في انتقاء المواقع الرصينة وحسابات التواصل الاجتماعي الموثوقة، وحفظها في قوائم المفضّلات للاعتماد عليها عند البحث عن المعلومة، لتكون هذه القوائم مرجعنا الرئيس بدلًا من نتائج محركات البحث أو ما يُعرض في «الفيد».
فهذا الأسلوب لا يضمن جودة المصادر فحسب، بل يحرّرنا أيضًا من فقاعة المعلومات التي نسجتها الخوارزميات حولنا، لتتحكّم بما نستهلك من محتوى ومعلومات، فتؤثّر في آرائنا وسلوكنا من حيث نعلم ومن حيث لا نعلم. وفوق ذلك كلّه، يُعيد الاعتبار لمن يجتهد في تقديم المادة الرصينة والمعلومة المفيدة والرأي الراجح، لا لمن يقتات على العناوين البراقة والمحتوى المثير للجدل والمواقع التي لا تعدو كونها لوحاتٍ إعلانية متنكّرة.
الاهتمام بجودة مصادر المعلومات
وفي هذا السياق، ينبغي أن يكون تحديد المواقع الإلكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي الموثوقة وفق معايير عالية، تعطي الأولوية للمصادر الرسمية كمواقع الجامعات والمستشفيات ووزارات الدولة والمؤسسات الإعلامية وغيرها، فضلًا عن النسخ الإلكترونية من الصحف والكتب والمجلات والبحوث العلمية، وبرامج الراديو والتلفزيون، والمواقع الرسمية الخاصة بالأكاديميين والمهنيين والصحافيين والشخصيات السياسية والاقتصادية وغيرهم.
وهذا لا يدعو إلى إقصاء كلّ من لا يتبوّأ موقعًا رسميًّا أو ينشر محتواه باسمٍ مستعار، فحتى هؤلاء يستطيعون اكتساب المصداقية والسمعة الطيبة من خلال الاهتمام بنوعية ما يطرحونه من محتوى.
دور المؤسسات الرسمية والشخصيات
ويضع هذا الواقع على عاتق تلك المؤسسات والشخصيات واجب الاعتناء بمواقعها بحيث لا تكون جامدة أو وظيفية فقط، بل ينبغي العمل على جعلها مصدرًا مرموقًا للمعلومات المتجددة، وهو أصلًا ما يلزم لرفع شعبية هذه المواقع وجعلها تتصدّر نتائج محركات البحث كما أسلفنا.
دور المستخدم
وفي المقابل، يقع على عاتق المستخدم واجب تقدير هذا الجهد والاستفادة منه في البحث عن المعلومات، عوضًا عن البحث عنها في المحتوى السريع والخفيف، الذي قد يكون مناسبًا في بعض الأحيان للمحتوى الترفيهي، لكنه في الغالب ليس كافيًا لإيصال المعلومة. هذا لا ينفي أهمية الإيجاز ودلالته على الإلمام الكبير باللغة والقدرة على إيصال الفكرة دون تعقيد، لكن العلم والمعرفة العميقة لا يمكن اكتسابهما من خلال جملة في تغريدة أو مقطع مصوَّر لا تتجاوز مدته بضع ثوانٍ.
وعلى المستخدم أيضًا التعامل مع الشبكة بوعيٍ أكبر، فلا يكون تنبّلًا تقتصر زياراته على المواقع التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع فقط لكونها في أعلى قائمة نتائج البحث، ولا ينساق وراء خوارزميات التواصل الاجتماعي، ولا يُكافئ المحتوى الهابط، ولا يُصدّق عناوينه البراقة، ولا يتفاعل مع مواضيعه المثيرة للجدل التي لا تهدف لشيء سوى استخدامه كرقمٍ في عدّاد المشاهدات.
وسيجبر هذا المنهج صُنّاع المحتوى من غير المؤسسات والشخصيات الرسمية على احترام المستخدم وتقديم ما يخدمه ويصبّ في مصلحته، ويراعي المعايير التي وضعها للمحتوى الذي يقبل باستهلاكه، عوضًا عن استهلاك ما هبّ ودبّ. وربما يقود هذا التحول محركات البحث ومنصّات التواصل الاجتماعي إلى تغيير سياساتها وخوارزمياتها لتكون في صالح المستخدم، وأكثر ملاءمة لذائقته وسلوكه الجديد.
وهذه ليست دعوةً إلى الجدية المفرطة، ولا إنكارًا لأهمية المحتوى الترفيهي والخفيف، فلهذا النوع مكانه ووقته والجوانب التي ينبغي مراعاتها فيه. لكن هذا المقال يتمحور حول استقاء المعلومة وبناء المعرفة، وعدم التعرّض للاستغلال أو الغش أو الخداع.
دور صُنّاع المحتوى وأصحاب المواقع
أما طموح أصحاب المواقع والحسابات على منصّات التواصل الاجتماعي في كسب المال من خلال الشبكة العنكبوتية فهو أمرٌ طبيعي ومشروع، وربما يكون حلم معظم النشِطين على الشبكة. لكن هذه الطموحات والأحلام لا تبرّر إساءة استخدام الخوارزميات ومحركات البحث، ولا تستوجب إغراق الشبكة العنكبوتية بمواقع وحسابات عديمة الجدوى ومحتوى فارغٍ وعديم المعنى.
وحريٌّ بهؤلاء الارتقاء بعلاماتهم التجارية والشخصية من خلال التمايز عن الفوضى العارمة السائدة في الشبكة حاليًا، والظهور بمظهرٍ يليق بهذه العلامات وإن تطلّب ذلك استثمار المزيد من الجهد والوقت والمال، والعمل مع مقدّمي خدماتٍ مختصّين في هذا المجال، فهذا كلّه سيصبّ في صالح العلامة على المدى البعيد.
دور مقدمي الخدمات
كما ينبغي لمطوّري المواقع والمحترفين في صناعة المحتوى، كالكتّاب ومحرّري المقاطع المصوّرة ومديري الحسابات على منصّات التواصل الاجتماعي، الارتقاء بجودة عملهم قدر الإمكان، وأن يكون لهم دورٌ فاعلٌ في حثّ عملائهم على تجنّب الطرق الملتوية أو إهمال الحضور على الشبكة العنكبوتية، ودفعهم نحو التركيز على الاستثمار في مواقع إلكترونية وحسابات تفاعلية تقدّم محتوى حقيقيًّا ومعلوماتٍ تفيد المستخدم حقًّا، بحيث يتزامن العمل على تحسين الظهور في نتائج محركات البحث مع العمل على صناعة محتوى لائقٍ ومفيدٍ ومُثري.
الخاتمة
تطرّقنا في هذا المقال إلى أهمّ المراحل التي مرّت بها الشبكة العنكبوتية، بدءًا من صفحات الويب الثابتة التي كانت تُكتب بدافع الشغف في المقام الأول، مرورًا بظهور محركات البحث والإعلانات، ثم وسائل التواصل الاجتماعي وأدوات الذكاء الاصطناعي. وقد لاحظنا كيف تغيّر سلوك المستخدمين ومطوّري المواقع وصُنّاع المحتوى في كلّ مرحلة من تلك المراحل، وكيف أفضى ذلك التغيّر في نهاية المطاف إلى فوضى من المعلومات. ثم، بحثنا في بعض الحلول التي قد تساعد المستخدم على التعامل مع هذا الواقع، ولعلّ من أهمّها العودة إلى البحث المضني عن المواقع الرصينة وتفضيلها عوضًا عن الاعتماد الكلي على خوارزميات محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي. وأخيرًا، حاولنا تحديد المسؤوليات الملقاة على عاتق كلٍّ من المستخدمين وأصحاب المواقع ومقدّمي الخدمات، في سبيل التعامل الواعي مع الوضع الراهن للشبكة والعمل على تحسينه.
علي العلوي
بدافع الشغف بالتقنية والشبكة العنكبوتية التي أعدّها بيتي الثاني، أُسخّر خبرتي في التقنية والكتابة والترجمة وصناعة المحتوى للارتقاء بجودة المحتوى العربي على الإنترنت، والعمل مع الأفراد والعلامات التجارية على بناء حضور رقمي يليق بهويتهم ويقوّي صلتهم بجمهورهم المستهدف.
تواصل معي الآن، ولنُحوّل وجودك في هذا الفضاء إلى حضور مميّز وآسر.